القائمة الرئيسية

الصفحات

ضيوف الرحمن .. فجر مكة المكرمة

ضيوف الرحمن .. فجر مكة المكرمة

 خواطر......فجر في مكة

فجر في مكة

في ليلة فجرية من ليالي مكة العظيمة تضفي عليك من نسماتها ، تقص عليك من حكاياها فتأخذك إلى عالمها الخاص و تفوح السكينة من بين جنباتها فتهنأ ، هنا مكة

أذكر ذلك اليوم جيدا ؛ في اليوم الثالث من زيارتنا لأطهر بقاع الأرض ، استيقظنا على صلاة الفجر حينها لم يكن النوم حاضرا بين أروقة غرفتنا فالصلاة هنا حتما خير من النوم ، هممنا إلى المسجد الحرام في ليلة تلفها الغيوم تضفي عليك من نسيمها العليل لتأخذ منك ما تبقى من نومك .

صعدنا على سطح المسجد الحرام كعادتي أولع بالصلاة في الأماكن الخارجية المفتوحة أستشعر معها تسبيح مخلوقات الله و خضوعها ، دقائق معدودة حتى إقامة الصلاة ابتدأها الإمام بالتكبير فالله أكبر و أعظم من في هذا الكون و ما دونه فان و هالك ، خشوع عم المكان حتى همس الطيور تلاشى في حضرة آيات الله و رسالته.

بعدما أنهى إمام الحرم السبع المثاني بدأ بآيات جميلة من سورة فصلت و بدأت معها تلك الحكاية فقرأ قوله تعالى " و من آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير " . في صوت جهوري عذب يسمع صداه ، أكمل الإمام تلك الآيات منهيا ركعته الأولى و عندما هم بالسجود سجدنا معه و سجدت معنا مخلوقات الله استجابة لكلامه أحسست بقطرات ماء على يداي و من حولي في ليلة غائمة تخفي البدر بين جنباتها .

أمطرت السماء هنا انقيادا لخالقها ، و خشع كل من سجد لله فلا تسمع الا همسا ، كل يتأمل و يسبح ، لأول مرة أرى تطبيقا لآيات الله أمام ناظري ، أدركت حينها أنني جزء ضئيل من عالم يمجد خالقه بكرة و عشيا لا يكل و لا يمل طوعا له سبحانه ، كنت حينها في عالم مختلف فيه من السعادة و التعجب و الفخر أنني أؤمن بخالق يقول لمخلوقاته كوني فتكن!.

أتأمل في تلك القطرات التي هطلت في تلك اللحظة استجابة لمن أوجد فيها الخشوع والهيبة ، أكمل الإمام ركعته الثانية و أنا ما زلت عالقة هنا أرجو أن يطول اللقاء أكثر ، أرى قطرات المطر تلف سجادتي بنقائها على أرض المسجد الحرام ، حقا لم تكن صلاة فجر عادية في كنف المسجد الحرام بل كانت تطبيقا عمليا لآيات الله و قدرته و عظمة مخلوقات فخالق عظيم يستحق أن يعبد ليلا نهارا في سويعات الفرح و دقائق الحزن بكرة و عشيا.

أنهينا صلاة الفجر ، و كأنها ثوان معدودة لم أشبع من ذلك اللقاء و من فيضه العذب ، جلست أتأمل تلك السماء ؛ غيومها و نجومها تلتف حول المسجد الحرام في موقف مهيب تنهل عليك من قطرات المطر تارة و تغمرك بنسيمها العليل تارة أخرى ، تعانق زائريه فرحا و استبشارا بمكوثهم تمنحهم سكينة ترافقهم حتى شروق الشمس ؛ شمس بداية يوم جديد نعيشه في ربوع أطهر أرض.


هنا تتأمل و تتأمل تنظر في وجوه من حولك تجدهم يضجون بالأماني و الابتهال كل بلغته ، يحاولون لملمة شتات أنفسهم و عثرات ما تبقى من طريقهم يوكلونها إلى من أنزل الأمطار ، من خشعت الأرض استجابة لعظمته فهو العظيم وحدة من قادر على تضميد ما جرح من قلوبهم .


تتأمل تارة أخرى في جدران المسجد الحرام ، تحاول أن تحفظ شيئا من زخارفها، طيب مسكها و عبق أرضها الطيبة ، ترجو منها أن تذكرك يوما ما في لقاء آخر ، تحاول جاهدا في كل صلاة أن تحفظ في ذاكرتك جزءا من ملامح ساكنيها لعلها تسعفك بشيء من ذكراها حين عودتك .


لن تسأم من التأمل في كل صلاة في علاقة آيات الله مع مخلوقاته هنا ، في كل ركعة جهرية يأخذك إمامها إلى زاوية مختلفة عن سابقاتها، إلى قصة جديدة تتحرك معها مخلوقات الله و جنده من طير إلى حجر و من سماء إلى قمر ، كلها تسجد له طوعا ، تسجد فرحا ، تنادي أتينا طائعين مستجيبين ملبيين ، فاقبلنا و تقبلنا ، يمتلأ البقاع بالسكينة و أي سكينة أعظم من تلك التي تأتي من الله و مع الله و أي جمال أعظم من أن ترى آيات الله تطبق و تزدهر تزيدك إيمانا و تسليما في الرخاء قبل الشدة .


تعليقات

ليصلك كل جديد تابعنا بالضغط على الصورة

اضغط لمشاهدة الفيديو